top of page
Vivid Gradient Laptop Illustration

هل تعثرت مبادرة الحزام والطريق؟

  • صورة الكاتب: فريق الدعم الفني
    فريق الدعم الفني
  • 7 سبتمبر 2023
  • 4 دقيقة قراءة

تاريخ التحديث: 21 نوفمبر


ree

صورة عمال صينين

لأكثر من قرن من الزمان، لم يتمكن أي خصم للولايات المتحدة أو تحالف من الخصوم، لا ألمانيا النازية، أو الإمبراطورية العسكرية لليابان، أو حتى الاتحاد السوفييتي السابق، من الوصول إلى مستوى (60%) من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة. الصين هي الإستثناء عن هذه القاعدة، وهي تحث الخطى بسرعة للتحول إلى قوة عظمى عالمية قادرة على منافسة الولايات المتحدة، إن لم تكن تتفوق عليها.

خلال السنوات الأخيرة، وتحديداً تحت حكم الرئيس الصيني الحالي (شي جينبنغ-Jenping)، أخذت الصين بالتخلي عن إسلوبها التقليدي المعروف المتمثل بإخفاء نواياها في السياسة الخارجية، وبدأت تكشف، وإن كان بشكل جزئي، عن طموحاتها نحو الزعامة العالمية في تراجع واضح عن مقولة (دنغ شياو بينج) الشهيرة: "أخفِ قوتك، وانتظر وقتك". ومن وجهة نظر الصين، يبدو أن الوقت قد حان لأن تتولى الدور الذي كانت تؤديه الولايات المتحدة في المنطقة منذ ما يقرب من سبعة عقود من الزمن، وأن تُصبح هي القوة المهيمنة بلا منازع في شرق آسيا، سيما وأن الصين ومنذ عام 2016 بدأت تنظر إلى الولايات المتحدة بإعتبارها قوة متراجعة، وأنّ العالم جاهز للتغيير، أو حسب وجهة نظرها، جاهز لإعادة تشكيل الصين للنظام الدولي.

بالنسبة لـ(شي جينبنغ)، إن أصل هذه التحولات يكمن حتماً في قوة الصين المتنامية والتراجع الواضح للغرب، وهو ما تبدى في إنفصال بريطانيا عن الإتحاد الأوروبي ووصول (دونالد ترامب) إلى السلطة في الولايات المتحدة وإزدياد ظاهرة الحركات الشعبوية واليمينية في الغرب عموماً فضلاً عن التعثرات في النظام الليبرالي - الديمقراطي. لهذا لم يكن مستغرباً أن يُعلن (شي) في العديد من خطابات السياسة الخارجية الحاسمة أنّ العالم حالياً في خضم "تغيرات عظيمة لم يسبق لها مثيل منذ قرن من الزمان". وهذه العبارات تعكس بلا ريب إعتقاد يبدو راسخاً لدى نخبة السياسة الخارجية في الصين بأنّ النظام العالمي أصبح على المحك مرة أخرى بسبب التحولات الجيوسياسية والتكنولوجية غير المسبوقة، وأن هذا يتطلب تعديلاً استراتيجياً من قبلها.

ree

ضمن هذا المنظور، أكدّ الباحث السابق في مؤسسة (بروكينغز-Brookings) (راش دوشي-Doshi)، في كتابه المعنون (اللعبة الطويلة: إستراتيجية الصين الكبرى لإزاحة النظام الأميركي) الصادر عام 2021، على حقيقة أنّ المنافسة بين الولايات المتحدة والصين تدور حول النظام الإقليمي والعالمي. وعلى حد زعم (دوشي) يبدو أنّ الصين تسعى إلى إزاحة أمريكا من النظام الإقليمي والعالمي من خلال تبني ثلاث "استراتيجيات إزاحة -strategies of displacement" متتابعة تم إعتمادها على المستويات العسكرية والسياسية والاقتصادية. سعت أولى هذه الاستراتيجيات إلى إضعاف القوة الأمريكية المسلطة على الصين بهدوء، وخاصة في آسيا، وصولاً إلى تفتيت النظام الأمريكي على المستوى الإقليمي. وسعت الإسرتراتيجية الثانية إلى بناء النظام الصيني على المستوى الإقليمي، أي بناء الأساس للهيمنة الإقليمية في آسيا. أما الثالثة، وهي استراتيجية التوسع، فهي تسعى الآن إلى القيام بالأمرين معاً على مستوى العالم لإزاحة الولايات المتحدة.

ويجادل (دوشي) بأن الأزمة المالية العالمية عام 2008 ساعدت بكين على التحول من استراتيجية التقويض الدفاعية التي إستهدفت مواجهة النفوذ الاقتصادي الأمريكي إلى استراتيجية بناء هجومية مصممة لبناء قدرات الصين الاقتصادية القسرية والتوافقية. وفي قلب هذه الجهود كانت مبادرة الحزام والطريق الصينية، التي أطلقها الرئيس (شي) العام 2013، وإستخدامها القوي لفن الحكم الاقتصادي تجاه جيرانها، ومحاولاتها لاكتساب قدر أكبر من النفوذ المالي.

يُبين الرسم البياني التالي الأموال التي أنفقتها الصين لإقامة مشاريع إستراتيجية في دول مبادرة (الحزام والطريق) وفي مختلف القطاعات. وحتى عام 2023، بلغت هذه الأموال قرابة تريليون دولار أميركي، لكن ما ينبغي الإنتباه إليه أن هذه الاموال بدأت تقل في السنوات التي أعقبت (Covid-19) وأصبحت أقل من نصف ما كانت عليه قبل الجائحة ما يكشف عن الصعوبات والعقبات التي تواجهها المبادرة وتعثرها بسبب سوء إدارة المخاطر.



لقد ترافق صعود نجم الصين كممول دولي، خاصة في البلدان المنخفضة الدخل، مصحوباً بادعاءات أخذت تروج لها مؤسسات مالية غربية بأنها تنخرط في ما يسمى بدبلوماسية فخ الديون (Debt-trap Diplomacy)، وهو مصطلح بدأ استخدامه منذ العام 2017 لوصف صفقة شهدت حصول بكين على عقد إيجار لمدة (99) عاماً لميناء (هامبانتوتا) في سريلانكا بعد أن تخلفت البلاد عن سداد ديونها، ومنذ ذلك الحين تم تطبيقه على نطاق أوسع على أي مشروع صيني يتعارض مع المصالح الغربية، وخاصة تلك الموجودة في إطار مبادرة الحزام والطريق.

ويبدو أن وسائل الإعلام الغربية وكبار المسؤولين السياسيين يشعرون أن الصين لا تتردد في أن تستخدم مبادرة (الحزام والطريق) لممارسة نفوذ سياسي وإقتصادي في العالم، خاصة وأن المبادرة تمول في الغالب البنية التحتية بدلاً من مشاريع القطاع الإجتماعي، مثل مبادرات الصحة أو التعليم، التي غالباً ما يفضلها قطاع كبير من الناس، مع العلم أن الصين مولت هذه القطاعات ولكن بنسب أقل من قطاعات أخرى مثل الطاقة والنقل وهو ما يُمكن ملاحظته من خلال الرسم البياني أعلاه. ويشعر المنتقدون الغربيون لتمويل الصين لمشاريع البنى التحتية بالدرجة الأساس بالقلق من أنً الصين سوف تكون قادرة على السيطرة على هذه الأصول للاستخدام العسكري أو استخدامها كوسيلة ضغط في المفاوضات المستقبلية.

ومن أجل بيان أسباب تراجع مستوى الزخم في المبادرة خلال السنوات الأخيرة، تجدر الإشارة إلى أن نطاق مبادرة (الحزام والطريق) قد إتسع بسرعة بعد إضفاء الطابع الرسمي عليها في عام 2015، بحيث قفز العدد التراكمي السنوي للمشروعات الأجنبية المتعاقد عليها الجديدة في دول المبادرة من (3987) في نهاية عام 2015 إلى (8158) في نهاية عام 2016، لكن المشكلة تكمن في أنّ مشروع بهذه الضخامة والكلفة المالية يتطلب تمويل مستدام من شركات القطاع الخاص الصيني بموازاة التمويل الذي تتكفل به شركات الدولة الصينية، وقد حاولت بكين مواجهة مخاوف القطاع الخاص بشأن المخاطر، والقدرة المصرفية، والجدوى الإقتصادية دون أن يعني هذا أن جهودها أثمرت بالكامل ما ترتب عليه إنخفاض في عدد وقيمة المشاريع الأجنبية المتعاقد عليها الجديدة الموقعة في دول مبادرة (الحزام والطريق)، ما يعني أنّ السبب الحقيقي وراء تعثر تقدم المبادرة لا يرجع إلى فخ الديون أو سياسات الإقراض، بل إلى سوء إدارة المخاطر والافتقار إلى الاهتمام بالتفاصيل والتماسك من جانب الشركات والبنوك الصينية المملوكة للدولة، وشركات القطاع الخاص والشركات والحكومات المحلية المعنية بتلقي المشاريع.

ويمكن النظر إلى الرسم البياني أدناه الذي يُبين حجم الفرق في قيمة المشاريع المتعاقد عليها خلال السنوات السابقة وما تم تخصيصه وإنفاقه من أموال بشكل فعلي على هذه المشاريع، ما يؤكد حقيقة أنّ الكثير من المشاريع تم ألغاءه إما بسبب عدم تلبيتها لشروط الجدوى الإقتصادية بالنسبة للصين أو بسبب المخاطر المحيطة بالمشروع وعدم القدرة على سداد الدين أو لأسباب أخرى متعلقة بالفساد الإداري في حكومات الدول المستضيفة لهذه المشاريع.



 
 

أبقى على إتصال

الموقع مهتم بالقضايا التي ترسم صورة العالم في الألفية الثالثة وتضغط على الدول وصناع القرار لتبني إستراتيجيات والتي تمتد من التحديات التي يفرضها الذكاء الإصطناعي، قضايا المناخ وتداعياتها السياسية والإقتصادية والمُجتمعية، التكنولوجيا المتقدمة، سلوكيات الأجيال الجديدة، التغير في القيم والمثل وزوال مفاهيم وحلول بديلة عنها. كل هذه تعمل على تشكيل واقع حياتنا وترسم طريقنا نحو المستقبل. تلقي بثقلها على السياسة والإستراتيجيا والإعمال في أنحاء العالم

emad moayed 

  • Instagram
  • Facebook
  • Twitter
  • LinkedIn
  • YouTube

 جميع الحقوق محفوظة للمنصة بإستثناء المواد الإعلامية غير الحصرية

bottom of page